السبت، 22 فبراير 2014

و لـي في جدي قدوة حسنة.




جميـــــــــل أن نتجاذب أطراف الحديث مع من نحب ونقف على أطلال الذكريات,,هذه القصة قصة جدي حقيقية حدثتني بها جدتي (الله يحفظها)

تنوية/ الطفل المذكور في القصه هو جدي


..
قبــــل أعوام طـــــوال، تقدر بالتسعين عام أو تزيـــــد.

في قرية ريفية ، في منزل بسيط ومتواضع صراخ طفل قدم إلى الحياة منذ لحظات بسيطة قد عم أرجاء المنزل ، شاء القدر

أن يختاره لمشاق وصعاب الحياة، ولم يشأ أن يترعرع بين أحضان والدته، أو أن يتغذى من لبنها.


فقد رحلت أمه إلى بارئها فور ولادتها له تاركةً وراءها زوجٌ قد يجن وطفل جائع يصيح في ظلام ليل حزين.


فكر الأب في أخوات زوجته المتوفاه وأخذ طفله(جدي) إليهن لعله يجد من تقوم برعايته وإرضاعه ولكن عاد الاب وهو يجر أذيال الخيبة معه.


فأخوات الزوجه كلا منهن منشغلة في حياتها وليس لديها من الوقت لرعايته.

صراخ طفله يزداد والجوع ينهش عظامه الصغيرة، صوته قد بُح متعطش لحنان أمه وحليبها.

كان يشعر بالدفء والعاطفة في التسعة أشهر وهو بين أحشاء والدته، ومن الوهلة الاولى للحياة فقد رأها بمنظر أسود كئيب.

ويمر الوقت ولايزال الاب يبحث عن منقذة لابنه من الموت..

امراءة فريدة من نوعها، قلبها يتدفق براكين حنان، وفي عينيها دموع الرحمة..تؤمن بأنها خلقت كي تكون دواء للمتألمين .. وغذاء للجائعين..وامان للخائفين..وحنان للمحتاجين.

هذه المرأة قد وضعت مولودا للتو..وهي من أختارها الله كي تكون أم ومربية لهذا الطفل الذي انقطعت عنه السبل واسودت في عينيه الحياة.

أخذت هذا الطفل من بين يدي أبيه وعظامه الصغيرة ترتعش من الجوع والبرد ولونه شاحب وصوته قد انقطع ودموعه قد جفت..

قال لها الاب: هذا الطفل ابنك هو لك.

وسافر ليلتهي بمشاغل الحياة بعدما وضع طفله في يد أمينه،صادقة وحنونه.

قامت هذه المرأة بإرضاع الطفل وتربيته حتى عادت إليه الحياة من جديد. 

وقامت بتعليمه وأحسنت في تربيته حتى أنه لم يشعر بيوم أنه بلا أم وأب. وكيف له أن يشعر بذلك وقد اختار الله له هذه العائلة كي تكون منبع سعادته..

فهو بين أم وأب وأخ توأم روح وأخوات..ولم يشعر يوما بالوحده..

أما الاب فقد سافر لمدينة بعيدة جدا عن هذه القريه وتزوج ورزق بابنتان.

ومرت الأعوام حتى كبر الطفل قليلا وأصبح عمره (تقريبا) 10 سنوات.. وهنا أتى والده لأخذه للعيش معه..

أتى لينقله من العيش مدللا إلى العيش ذليلا..ومن كنف مرضعة وأم رحيمة إلى كنف زوجة أب عنيفه

رفض الطفل الذهاب معه وغضب وصرخ ولكن دون جدوى (قسوة الحياة تجعل الرجل كجلمود لايشعر بمدى قسوته)

أخذه بالرغم عنه وذهب به لمدينته البعيده ووضعه في مزرعته حتى يساعده في أعماله ويعيش مع اختاه الصغيرتان.

الابن( جدي) لايريد البقاء هنا..لايريد أن يبقى معهم ولايريد أن يعمل. يريد عائلته الصغيرة التي كونته..

فكر في يوم بالهرب وبالفعل اجتاحه الاشتياق للعوده إلى أحظان مربيته,, أخذ معه القليل من الطعام وهرب مشيًا

لم يفكر بكيف سيكون الطريق؟ أو من أين أذهب ؟ وكيف سأصل؟

كل مايفكر فيه عقله البريء..العوده للمنزل الريفي الذي ترعرع بين جنباته وبنى حياته وسعادته فيه..

مشى على قدميه كثيرا إلى أن أخذه القدر لأُناس طيبون كانوا قاصدين نفس القرية التي يريدها الطفل(جدي).

عطفوا على حاله كثيرا بعدما سمعوا حكايته وأخذوه معهم..

ووصل لحضن مربيته الامين ولكن لم يفرح كثيرا..لأن أباه يتأجج غضبا في كل لحظه منذ أختفائه واشتد غضبا عندما علم انه عاد للقريه.

واتى مرة أخرى وأخذه بعنف الى حيث يريد..

وتمر الايام والايام وهو يزور مربيته كل سنه مرة واحده وتمر بعض السنوات دون أن يراها.. وهو يعمل بشكل جاد مع والده

وبعد مضي السنوات..مرض ابيه مرضا شديدا ومات (الله يرحمه ويغفر له)

لاندري كم عمره حينها لكنه قد كبر.. وبعد موت ابيه انتقل للعيش في منزل مربيته حتى كبر وحصل على وظيفة..

أما زوجة ابيه فقد تزوجت بأخر تاركة ابنتيها الصغيرتان وحيدتان..

وبعدما توظف أخذ أختيه لتعيشان معه وقام بالعناية بهما وأحسن في تربيتهما حتى كبرتا.

وبعد ذلك قرر هو أن يتزوج وتزوجت أختاه.. وانجب عدة بنات وولد وحيد.. وتزوج بالثانية ورزق ببنات وأولاد

وكبروا ابنائه وبناته وتزوجوا وانجبوا..وتزوج جدي بالثالثة عندما رأها أرملة تعول أبناءها وحدها..


ومن حســــــــــــن حظــــــي أنني احدى حفيدات جدي وفرحة جدا بأن الله قد أنعم علي برؤيــــــة هذا الرجل العظيم

المكابد.. الذي برّ الاب.. ودعا للأم ..ولم ينسى الجميل ..ورعى مرضعته عندما كبرت واحتاجت إليه ،وأعطاها احدى بناته حتى تقوم برعايتها

وعلّم الأمي..ونصح العاصي..وساعد المسكين..وأسقى الكلب..وذاق مرّ الفراق..وفرح بحلاوة اللقاء..

وغامر في هذه الحياة بكل ما أوتي من قـــــــوة ولم يستسلم لليأس والخيبات ورضي بالاقدار والابتلاءات..وصبر على المرض والصعوبات..



وفــــــــي عام 1431 هـ في شهر رمضــان المبارك بيوم 29 هذا كان اخر يوم في حياته.. وأخر صفحة من صفحات حكايات حياته..

أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجمعنا به في جنات النعيـــــــم..





ولي في جدي قــــــــدوة حسنة..


أتمنى لكم أمتع الاوقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
copyright © 2010 مدونة عفويـــة قلـــــم. All lefts reserved.
تصميم